انتقد أحد كبار المحللين العرب بشدة المواقف الضعيفة للقادة العرب في اجتماعهم أمس بالقاهرة، وحذر من فخ النظام الصهيوني بدعم الولايات المتحدة والأنظمة العربية للشعب الفلسطيني.
وبحسب ما نقلته وكالة مهر للأنباء، أشار "عبد الباري عطوان"، المحلل الفلسطيني الشهير ورئيس تحرير صحيفة "رأي اليوم"، في افتتاحيته الجديدة لهذه الصحيفة، إلى القمة العربية التي انعقدت في القاهرة أمس وكتب: "إن تناول مشروع الإعمار السريع لقطاع غزة وعقد مؤتمر دولي لمناقشة الميزانية اللازمة لتنفيذ هذا المشروع دون تهجير أهل غزة، والتي وردت في البيان الختامي للقمة العربية في القاهرة، نقطة جيدة". لكن السلم يعكس الأولويات ويتجاهل القضايا المهمة والحاسمة.
وأضاف عطوان: ونقدم مزيدا من التوضيح ونقول إن الإهانة المتعمدة التي وجهها النظام الصهيوني لهذا الاجتماع ولكل المشاركين فيه أو حتى من قاطع هذا الاجتماع، تتجلى علانية في حرب الجوع ضد قطاع غزة، مع توقف المساعدات الإنسانية لهذا القطاع منذ اليومين الماضيين في نفس وقت بداية شهر رمضان المبارك. إن هذا التصرف من النظام الصهيوني يشكل إهانة صريحة للعرب وداعميه الأميركيين، وهم على يقين من أن العرب لن يردوا على هذه الإهانات. كما كان في الماضي.
وأضاف هذا الكاتب الفلسطيني: إن التقارير الأولية الواردة من داخل قطاع غزة الذي يعاني من المجاعة تشير إلى تزايد القلق والخوف لدى مليوني شخص في هذا القطاع من الموت بسبب الجوع. حيث أغلق نظام الاحتلال كافة المعابر أمام الشاحنات التي تحمل المساعدات لغزة وارتفعت أسعار السلع الأساسية بنسبة 200% ويستخدم نظام الاحتلال سلاح التجويع لقتل الفلسطينيين، أمام أعين وآذان العرب الذين يجلسون على الطاولات الفاخرة. ولا ندري حقاً كيف يستطيع العرب أن ينظموا هذه الولائم الفاخرة؛ في وضع لا يجد فيه إخوانهم الصائمون ولو رغيف خبز أو تمر أو ماء على بعد كيلومترات قليلة منهم في قطاع غزة ليفطروا.
وجاء في استمرار هذا المقال: إن نظام الاحتلال يتحدى بشكل مباشر القادة العرب المشاركين في قمة القاهرة باستخدام سلاح التجويع ضد أهل غزة، والغرض منه استفزاز وابتزاز هؤلاء الحكام العرب وإجبارهم على ممارسة الضغط على حركات المقاومة في قطاع غزة بقيادة حماس، من أجل الاستسلام لشروط هذا النظام. ويعني تمديد المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار وتجاهل كافة بنود الاتفاق، بما في ذلك الانسحاب الكامل للصهاينة من قطاع غزة والوقف الكامل للحرب. (وتجدر الإشارة إلى أن هذه الضغوط على حماس بدأت قبل قمة القاهرة وما زالت تتزايد).
وأشار هذا الكاتب الناطق باللغة العربية: إذا لم تتخذ هذه القمة للقادة العرب والمشاركين فيها إجراءات عملية لمواجهة طغيان النظام الصهيوني ودعمه من قبل الولايات المتحدة، فإنها ستكون بمثابة وصمة عار لها ثمن باهظ، وستجعل بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء نظام الاحتلال، أكثر غطرسة لمواصلة حرب الجوع والإبادة الجماعية المستمرة منذ عام ونصف في قطاع غزة المحتل.
وأكد عطوان: ليس لدينا شك جميعًا في أن جميع القادة العرب الذين شاركوا في اجتماع القاهرة لن يطلقوا رصاصة واحدة للدفاع عن مليوني عربي مسلم في قطاع غزة، ويشعر الشعب الفلسطيني ومئات الملايين من الناس من جميع أنحاء العالم بخيبة أمل لرفع مثل هذا الطلب، وهو بالطبع طلب مشروع وأخلاقي. لأن أغلب الحكام العرب قتلوا أنفسهم فعلا ولا يملكون شيئا من الشجاعة والكرامة والمسؤولية الوطنية والأخلاقية، وإذا سمعوا اسم مقاومة غزة يغمى عليهم.
وبحسب هذا المقال فإن معارضة تهجير سكان قطاع غزة خطوة جيدة، لكنها ليست عملاً بطولياً وليست في إطار الدفاع عن أهل غزة. وفي السابق، عارض وأدان العديد من المسلمين الأوروبيين وغير الأوروبيين تهجير الشعب الفلسطيني، لكن القادة العرب يعارضون مشروع تهجير الفلسطينيين في المقام الأول من أجل الدفاع عن أنفسهم وأمنهم القومي.
وتابع رئيس تحرير رأي اليوم: إن القادة العرب يعلمون جيدا أنهم إذا لم يتفاعلوا مع هذا المشروع التآمري الذي يبدأ من غزة ويمتد إلى مصر والأردن والسعودية وكل الدول المرشحة لاستضافة اللاجئين الفلسطينيين، فإن نتنياهو لن يعارض أبدا إقامة دولة فلسطينية مستقلة، لكنه سيدعمها بشدة. ولكن ينبغي إنشاء هذه الدولة في شبه الجزيرة العربية. واليوم نرى كيف احتل نتنياهو منطقة في الجنوب السوري تبلغ مساحتها ضعف مساحة قطاع غزة، كما احتل شريطا حدوديا واسعا وطويلا مع لبنان، ومشاريع خطيرة أخرى في الطريق.
وجاء في استمرار هذه المذكرة: إذا لم تتخذ القمة العربية قرارات عملية للتنفيذ الفوري، أولها مواجهة حرب الإبادة والتجويع التي يشنها النظام الصهيوني على غزة، والثانية وقف كافة الوساطات التي هي في الواقع غطاء لعدوان وجرائم النظام الصهيوني على الضفة الغربية وغزة وجنوب لبنان، والثالثة طرد سفراء النظام الصهيوني من عواصمهم وقطع الاتصالات بشكل كامل مع تل أبيب، فكل المشاركين في هذا الاجتماع , يلصقون وصمة عار سوداء على جباههم، ويدخلون من أوسع أبواب العار والعار.
وقال عبد الباري عطوان: ربما ترجع فصائل المقاومة إلى الوراء قليلاً لحماية دماء أهل غزة، لكن لا ينبغي لها أبداً أن تلقي سلاحها تحت الضغوط العربية والأمريكية والصهيونية. على مر التاريخ، لم تضع أي حركة مقاومة سلاحها؛ باستثناء منظمة التحرير الفلسطينية التي ألقت للأسف سلاحها دون الحصول على أي تنازلات، والأسوأ من ذلك كله أنها استخدمت سلاحها لحماية نظام الاحتلال والمجرمين الصهاينة.
وفي النهاية حذر كاتب هذا المقال: لذلك، وبعد الأداء الناجح لمنظمة التحرير الفلسطينية لخدمة الصهاينة وحماية مصالحهم في الضفة الغربية، فإنها قد تصل إلى السلطة في قطاع غزة أيضًا. لكن حكمها في غزة لن يطول؛ طبعاً إذا استطاع أن يحكم هنا، فالعاقل لا يلدغ مرتين من الجحر نفسه، ولا نعتقد أن فصائل المقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة ستقع في الفخ الذي ينشره الصهاينة بدعم من الولايات المتحدة والحكومات العربية.
ارسال تعليق