العدوان فی ظل المعاهدة: لماذا ضحى ترامب بمعاهدة حظر الانتشار النووی من أجل إسرائیل؟

كان الهجوم الأميركي على عضو رسمي في معاهدة حظر الانتشار النووي محاولة للتعويض عن يأس النظام الإسرائيلي؛ أطلق ترامب النار على قلب معاهدة حظر الانتشار الأكثر شهرة لإنقاذ تل أبيب.

startNewsMessage1

وفقًا لوكالة عاشوراء نيوز، نقلًا عن وكالة مهر للأنباء، واجه العالم في الساعات الأولى من صباح الأحد، 2 يوليو/تموز، مشهدًا جديدًا من الجريمة والعدوان. حوالي الساعة الثانية صباحًا، استهدفت القوات الجوية والبحرية الأمريكية، باستخدام قاذفات الشبح بي-2 وصواريخ توماهوك، ثلاث منشآت نووية إيرانية في نطنز وفوردو وأصفهان؛ وهي عملية لم تمثل تجاوزًا للخطوط الحمراء الدبلوماسية فحسب، بل مثّلت أيضًا نهاية أوهام "النظام القائم على القواعد" في النظام الدولي.

نُفذ الهجوم، الذي نسقته تل أبيب بهدف مساعدة النظام الصهيوني في ذروة يأسه، في وقت لا تزال فيه إيران عضوًا رسميًا في معاهدة حظر الانتشار النووي، وتُجرى جميع أنشطتها النووية تحت إشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية. ومع ذلك، فإن الولايات المتحدة والنظام الصهيوني، دون إذن من الأمم المتحدة ودون تقديم أي دليل رسمي على انحراف إيران عن المسار السلمي، استهدفا أحد الأعضاء القلائل الشفافين في هذا النظام القانوني!

ذروة عجز إسرائيل؛ لماذا اضطر ترامب للتدخل؟

على الرغم من إعلان وقف إطلاق النار بين إيران والنظام الصهيوني صباح الثلاثاء 25 يوليو/تموز، سعى النظام، في الأيام الأولى للحرب مع إيران، إلى مهاجمة البنية التحتية الدفاعية والصناعية الإيرانية، لكنه واجه إخفاقات عملياتية عديدة في تحقيق أهدافه الاستراتيجية. كان التحدي الأبرز هو عدم القدرة على تدمير منشآت فوردو تحت الأرض؛ وهو مركز يقع على عمق مئات الأمتار تحت الأرض ومقاوم لأي نوع من القنابل الصهيونية التقليدية. في المقابل، كانت مدن مختلفة في الأراضي المحتلة، من تل أبيب إلى حيفا وعسقلان وغيرها، تحت نيران الصواريخ الإيرانية الدقيقة والقوية باستمرار.

في أعقاب هذه الإخفاقات، ازداد القلق في تل أبيب. أشارت تقارير استخبارات الموساد إلى أن هجمات النظام المحدودة وغير الفعالة لم توقف خطط إيران فحسب، بل خلقت أيضًا حافزًا إضافيًا لإعادة الإعمار السريع وحتى لتسريع التخصيب. من ناحية أخرى، تكيفت الدفاعات الجوية الإيرانية بسرعة مع الموجات الأولى من الهجمات وأحبطت العمليات الإسرائيلية. نتيجةً لذلك، خلص المسؤولون الصهاينة، وخاصة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، إلى أنه بدون تدخل أمريكي مباشر، فإن الهزيمة في المواجهة مع إيران أمرٌ لا مفر منه، وأن قبول وقف إطلاق النار كان أيضًا تأكيدًا على يأس النظام الصهيوني.

في الأسبوع الماضي، مارس رئيس الوزراء الإسرائيلي ضغوطًا شديدة على البيت الأبيض عبر القنوات الدبلوماسية، وجماعات الضغط التابعة للجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية (أيباك)، والمحادثات المباشرة مع المسؤولين الأمريكيين. كما أطلقت وسائل إعلام مقربة من الليكود حملةً مفادها أنه "إذا تراجعت أمريكا، فستضطر إسرائيل إلى استخدام خيارات غير تقليدية"؛ وهي جملةٌ تم تقييمها بما يتماشى مع الضغط على البيت الأبيض. في هذه الأجواء، وجد ترامب نفسه في مأزق صعب. فمن جهة، كان قد وعد بأنه لن يُقحم الولايات المتحدة في أي حرب، ومن جهة أخرى، كان الحليف الاستراتيجي لأمريكا في الشرق الأوسط يقترب بوضوح من حافة الهزيمة.

وأخيرًا، أكد مستشارو الأمن القومي والعسكري في البيت الأبيض أن الولايات المتحدة ستكون في وضع أفضل الآن بمساعدة الصهاينة. من منظور جيوسياسي، كان من الممكن أن يؤثر استمرار حرب الاستنزاف دون نتائج تُذكر على النظام الإسرائيلي، وخاصةً في الانتخابات الأمريكية المقبلة، سلبًا على صورة ترامب كزعيم داعم للصهيونية والحزب الجمهوري. لذا، فإن قرار الهجوم المباشر على منشآت إيرانية حساسة لم يكن، من وجهة نظر المراقبين، نابعًا من إرادة استراتيجية أمريكية، بل نتيجة ضغوط متراكمة من النظام الصهيوني وحسابات ترامب السياسية الداخلية.

لذلك، كان التدخل العسكري الأمريكي أكثر من مجرد استعراض لقوة ترامب، بل كان اعترافًا ضمنيًا بعجز النظام الإسرائيلي الاستراتيجي عن مواجهة إيران. دخلت واشنطن حربًا لم تكن هي من بدأتها، لكنها رأت أنها تُهدد بقاء النظام الإقليمي الذي أرادته. كان تدخل ترامب، قبل كل شيء، دليلًا على يأس شريك قديم لم يعد قادرًا على الصمود في المنطقة بمفرده.

انهيار القاعدة الذهبية لنظام منع الانتشار

شكّل الهجوم المباشر الذي شنّته جهتان نوويتان على منشآت معلنة وخاضعة لرقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية في دولة عضو في معاهدة منع الانتشار النووي (NPT) أكبر ضربة لشرعية المعاهدة ومبرر وجودها منذ إنشائها عام ١٩٦٨. فإيران ليست عضوًا رسميًا في معاهدة منع الانتشار فحسب، بل إن جميع أنشطتها النووية تُجرى وفقًا للالتزامات الدولية وتحت إشراف مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

ومع ذلك، قصفت واشنطن وتل أبيب منشآت نووية سلمية إيرانية دون تقديم أي وثائق رسمية أو تأكيد من الوكالة الدولية للطاقة الذرية بأن إيران قد انحرفت عن مسارها السلمي. لم يكن هذا الإجراء انتهاكًا واضحًا للقانون الدولي فحسب، بل أبطل أيضًا المبدأ الأساسي للتمييز بين النشاط السلمي والعسكري في معاهدة منع الانتشار النووي.

مباشرة بعد الهجوم، أدان كبار المسؤولين الإيرانيين العدوان بشدة، ووصفوه بأنه "النهاية العملية لصلاحية معاهدة منع الانتشار النووي". أعلن المتحدث باسم وزارة الخارجية، إسماعيل بقائي، أنه "من اليوم، لا يمكن لأي دولة نامية عضو في معاهدة حظر الانتشار النووي أن تطمئن إلى أن وعودها لن تُنفذ، لأن العضوية في المعاهدة لن تمنع الهجمات فحسب، بل ستكون أيضًا ذريعةً لتحديد الأهداف بدقة أكبر". كما صرّح الاجتماع الطارئ للمجلس الأعلى للأمن القومي بأن "إيران ستعلق من الآن فصاعدًا جميع التزاماتها المتعلقة بالضمانات الإضافية"، وأنه في حال استمرار السلوك العدائي، فسيكون الانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي خيارًا جادًا مطروحًا.

المفارقة المريرة في هذه القصة هي أن النظام الصهيوني، على الرغم من امتلاكه أسلحة نووية وإنتاجه لها سرًا، لم ينضم قط إلى معاهدة حظر الانتشار النووي، ولا يخضع لأي رقابة؛ فالولايات المتحدة ليست فقط من أكبر حائزي الترسانات النووية في العالم، بل دأبت أيضًا على توفير أرضية لانتهاكات ممنهجة من خلال بيع تقنيات مزدوجة لحلفائها. والسؤال المحوري الذي يطرحه المجتمع الدولي الآن هو: هل معاهدة حظر الانتشار النووي أداة لضمان السلام العالمي أم آلية للسيطرة على الدول المستقلة؟

وقد أكدت إيران مرارًا وتكرارًا أنه في غياب "آلية دعم وأمن حقيقية" مقابل التزامها بالتزاماتها، فلا مبرر لمواصلة مشاركتها في هذا النظام المعيب. وقد غرّد علي شمخاني، الأمين العام السابق للمجلس الأعلى للأمن القومي، سابقًا قائلاً: "إن الهجوم على دولة عضو في معاهدة حظر الانتشار النووي ولديها منشآت سلمية فقط هو بداية حقبة جديدة من الفوضى النووية. إذا لم تتمكن معاهدة حظر الانتشار النووي من حماية أعضائها، فلا معنى لها".

في نهاية المطاف، ما برز اليوم من هذا العدوان العسكري هو حقيقة مُرّة للعديد من الدول النامية: فالعضوية في معاهدة حظر الانتشار النووي، خلافًا للاعتقاد السائد، ليست درعًا واقيًا فحسب، بل قد تُصبح أيضًا أداةً للكشف والهجوم من قِبل القوى النووية. يُمثل هذا الوضع نقطة تحول خطيرة في تاريخ نظام حظر الانتشار النووي، وإذا لم يُبدِ المجتمع الدولي ردًا حاسمًا على هذا الإجراء، فإن التراجع التدريجي لمصداقية معاهدة حظر الانتشار النووي وتكرار مثل هذه السيناريوهات في عالم المستقبل ليسا بعيدين عن الخيال.

 

قصف البنية التحتية، لا المعرفة؛ القلب النابض للتكنولوجيا النووية الإيرانية

 

على عكس مزاعم واشنطن وتل أبيب بأن البنية التحتية النووية الإيرانية قد دُمرت بالكامل، تُظهر الحقائق على الأرض والتصريحات الرسمية لمسؤولي جمهورية إيران الإسلامية أن البنية التقنية للبرنامج النووي الإيراني لا تزال سليمة، وأنه لم يلحق أي ضرر جسيم بدورة التخصيب. في اليوم التالي للهجوم، أكد محمد إسلامي، رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية: "لم يتم إيقاف أي من أنشطة التخصيب لدينا، وأن المنشآت الرئيسية في نطنز وفوردو، على الرغم من استهدافها، قادرة على التعافي السريع". كما أُعلن أن احتياطيات اليورانيوم عالي التخصيب وأجهزة الطرد المركزي المتطورة قد تم تخزينها في عدة أماكن، وأن أجزاء من عملية التخصيب تُنفذ بطريقة متفرقة وآمنة في البلاد.

تشير هذه الحقيقة إلى أن إيران، خلال عقدين من الضغط، نجحت في الانتقال من مرحلة الاعتماد على الأجهزة إلى مرحلة التوطين الكامل. واليوم، أصبحت معرفة التخصيب في إيران مُؤسسة ليس في المراكز المادية، بل في البنية التحتية العلمية والبشرية والتكنولوجية.

حتى المحللون الغربيون يُقرون بأن قصف المنشآت لا يُمكن أن يُعادل تدمير البرنامج النووي؛ لأن إيران قد أوجدت القدرة على إعادة البناء بسرعة والمرونة التشغيلية في سياق محلي. وهذه هي النقطة التي تتجاوز فيها الدول المستقلة "التبعية التكنولوجية" إلى "الردع التكنولوجي". ردعٌ يضمن القدرة على التعافي ومواصلة المسار دون الحاجة إلى أسلحة.

في نهاية المطاف، لم يكشف الهجوم الأمريكي الصهيوني المشترك عن قوتهم، بل عن عجزهم عن تسخير إرادتهم الوطنية وتقنياتهم المحلية. لقد بلغ البرنامج النووي الإيراني الآن مرحلة نضج استراتيجي لا يمكن إيقافها فحسب، بل سيزداد قوةً وعمقًا مع أي ضغط خارجي.

 

ارسال تعليق