لماذا تعتبر نتائج الانتخابات البلدیة فی جنوب لبنان مهمة؟

وجرت انتخابات المجالس والبلديات اللبنانية في وقت حققت لائحة "التنمية والوفاء" المؤلفة من تحالف حركتين "تيار الأمل وحزب الله لبنان" فوزاً حاسماً في الجنوب ومناطق أخرى.

startNewsMessage1

بحسب موقع عاشوراء نيوز، نقلاً عن وكالة مهر للأنباء، كتب "محمد أحمد نور الدين"، رئيس بلدية برج قلاوية في جنوب لبنان، في مذكرة تحليلية بصحيفة "فرهيختكان": "إن انتخابات المجالس المحلية لعام ٢٠٢٥ ليست مجرد عملية روتينية للإدارة المحلية، بل هي مرحلة حساسة في ترسيخ صمود الشعب وهويته وإرادته في مواجهة مختلف التحديات العسكرية والاقتصادية والاجتماعية. في هذه الانتخابات، أعطت منطقة الليطاني في جنوب لبنان، وهي منطقة ذات خصائص تاريخية وسياسية خاصة، ورمز للمقاومة والوطنية بين اللبنانيين، صوتًا ذا معنى للمقاومة".

 

١. السياق التاريخي والسياسي للانتخابات في الجنوب

 

جنوب الليطاني ليس مجرد منطقة جغرافية، بل هو أيضًا رمز تاريخي للمعاناة والشجاعة. لقد دفعت هذه المنطقة مرارًا وتكرارًا ثمنًا باهظًا دفاعًا عن السيادة اللبنانية ودعمًا للقضية الفلسطينية ضد عدوان الكيان الصهيوني واحتلاله. في هذا السياق، وبالنظر إلى التطورات الأخيرة في المنطقة، لم تكن نتائج انتخابات المجالس في هذه المنطقة مجرد عملية ديمقراطية. كانت نتائج الانتخابات تجسيدًا للإرادة السياسية للمقاومة وتجديد العهد بالهوية الوطنية. وقد أُجريت انتخابات عام ٢٠٢٥ بعد فترة معقدة. فمن جهة، واجهنا عدوانًا متكررًا من قبل النظام الصهيوني، كان آخرها قبل يومين فقط من الانتخابات، حيث استُهدفت أكثر من ١٥ نقطة في الجنوب بغارات جوية. ومن جهة أخرى، واجهنا أزمة اقتصادية خانقة تسببت في فقدان الكثيرين منازلهم ومصادر دخلهم. وأدى هذا الوضع إلى هجرات داخلية وخارجية عديدة. ويُضاف إلى هذه التعقيدات الدمار الواسع النطاق للبنية التحتية، بما في ذلك الطرق والمباني والمدارس والمستشفيات، والأزمات الاجتماعية التي أثرت بشكل مباشر على أكثر من ثلث السكان، وأثّرت على نصفهم اجتماعيًا واقتصاديًا.

 

٢. نتائج الانتخابات وتحليلها

على الرغم من كل هذه التحديات، سُجّلت مشاركة شعبية واسعة في الانتخابات، وأصبح هذا الحدث رسالة وطنية وسياسية. في الانتخابات، شاركت قوائم "التنمية والوفاء" (التابعة لحركة أمل وحزب الله في لبنان) في 109 بلديات جنوب نهر الليطاني. فازت هذه القوائم في 71 بلدية بالتوافق (دون منافسة)، بينما لم يتجاوز هذا العدد 35 بلدية عام 2016. يشير هذا النمو الملحوظ إلى تأييد شعبي واسع لمسار المقاومة والتنمية. كما تكررت هذه الانتصارات في بلديات كبيرة، مما يدل على إجماع عام على دعم التنمية في إطار المقاومة. حتى المنافسون أو المرشحون الذين ترشحوا ضد قائمة المقاومة خرجوا من نفس الخلفية المقاومة، وكانت لديهم وجهات نظر مختلفة حول الحكم المحلي، مما يدل على تنوع داخلي سليم.

 

3. تحليل جودة المشاركة والتحديات القائمة

 

على الرغم من الدمار الشامل الذي لحق بالمنطقة ونزوح السكان، عاد العديد من أهالي مدن مثل بيروت وصيدا والنبطية وصور إلى قراهم للمشاركة في الانتخابات ودعم قائمة المقاومة والتنمية. في بعض القرى التي دُمرت بالكامل تقريبًا، والتي نُظمت فيها مراكز الاقتراع في قرى نائية، أبدى الأهالي إقبالًا قويًا على التصويت، مما يدل على التزامهم بأرضهم.

 

4. إعطاء الأولوية لإعادة الإعمار بعد الانتخابات

 

من أهم رسائل الانتخابات إعطاء الأولوية لإعادة الإعمار. فقد تأثر أكثر من ثلث السكان بشكل مباشر بالحرب، بينما تأثر نصفهم اجتماعيًا. من الضروري إطلاق حملة وطنية لإعادة الإعمار. يجب أن تشمل هذه الحملة "إعادة بناء المساكن والمؤسسات العامة والخاصة، ودعم المشاريع التنموية والزراعية والاقتصادية الصغيرة، واستعادة سوق العمل والتحول الاقتصادي، وتخصيص تمويل مباشر للقرى المتضررة من خلال صناديق البلديات". يجب أن تكون هذه العملية طويلة الأمد ومستدامة، وأن تُعتبر جزءًا من المقاومة.

 

5. خصائص النخبة المنتخبة والحاجة إلى الدعم المؤسسي

 

في هذه الانتخابات، تغيرت تركيبة المرشحين، حيث لم يتمكن العديد من الأفراد ذوي النفوذ الاقتصادي أو المتخصصين من الترشح بسبب ظروف الميدان أو هاجروا من المنطقة. تحتاج معظم البلديات المنتخبة إلى تدريب وتمكين ودعم فني وإداري لتتمكن من تحمل مسؤولياتها الجسيمة في فترة ما بعد الحرب. وتشمل هذه المسؤولية "إطلاق برامج دعم من الوزارات والمؤسسات المركزية، وعقد دورات تدريبية للقوى المحلية، وتمكين البلديات قانونيًا وماليًا" للقيام بمهامها بفعالية.

 

6. البلديات درعًا اجتماعيًا ومؤسسة مقاومة

 

لم تعد البلديات مؤسسات تنفيذية فحسب، بل تُعتبر اليوم مراكز تنظيم اجتماعي، ومعززات للهوية الثقافية والوطنية، وجسورًا بين الشعب والدولة، ومؤسسات مقاومة ضد العدوان والفقر والإهمال. البلديات هي العمود الفقري للمجتمع المحلي، ويجب أن يكون تعزيزها أولوية.

 

قراءة سياسية للانتخابات

 

لم تكن انتخابات 2025 في جنوب لبنان مجرد حدث ديمقراطي، بل كانت مواجهة شعبية للعدوان، وتأكيدًا على نهج المقاومة، ودعوة لإعادة إعمار الجنوب. أثبت الشعب أن القصف والتهجير والفقر لن يكسر إرادته. في الوقت نفسه، وجّه الشعب رسالةً إلى الحكومة اللبنانية والمجتمع الدولي مفادها أننا صامدون، لكننا بحاجة إلى مشاركة حقيقية ودعم عملي لإعادة بناء حياتنا.

إنّ تنوّع وجهات النظر بين قوى المقاومة والتنافس على القيادة المحلية يدلّ على نضج سياسي داخلي. أعتقد أنّه لا ينبغي اعتبار هذا الوضع تهديدًا فحسب، بل يجب تعزيزه.

في نهاية المطاف، يجب أن يبدأ مشروع إعادة إعمار الجنوب فورًا. يجب أن يكون هذا الإعمار شاملًا وعادلًا ومستدامًا، بحيث تصبح هذه المقاومة الانتخابية مقاومةً اقتصاديةً وتنمويةً تحمي الأرض والشعب، وترسّخ المقاومة ليس فقط ردًّا على العدوان، بل أسلوب حياة.

 

ارسال تعليق