وبحسب الروايات الإسلامية فإن رأي سليماني أردستاني القائل بأن "النية الحسنة كافية وأن البحث في التبرير والتبرير ليس مهماً" هو مبرر ضعيف واهٍ للتهرب من المسؤولية الأساسية للإيمان.
بحسب موقع عاشوراء نيوز، نقلاً عن وكالة تسنيم للأنباء، قال سعيد شيري: في المنظومة الفكرية الشيعية، دُرِسَ مبدأا التدين (الولاء والتبعية للأولياء الإلهيين) والتبرئة (البراءة من أعدائهم) ليس فقط كممارسة أخلاقية، بل أيضاً كمبدأ أساسي في العقيدة ومقياس لمستوى التدين. هذان المفهومان، اللذان يُعتبران فرعين عمليين من مبدأ الإمامة والولاية، يُميّزان الهوية الشيعية عن المذاهب الإسلامية الأخرى. لطالما كان تجاهل أحد هذين الركنين موضع انتقادات لاذعة من قِبل المفكرين الدينيين، لأن التدين الكامل دون إعلان موقف واضح ضد الصواب والخطأ يُعتبر ناقصاً.
في الآونة الأخيرة، طُرِحَ رأيٌ مفاده أن حتى استشهاد شخصيات محورية مثل السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) أو نبي الإسلام (صلى الله عليه وآله وسلم) لا يؤثر على مكانة ومستوى التدين الفردي، وأن هذه الشخصيات لا تزال قدوة. في جزء من مناظرته المثيرة للجدل مع حامد الكاشاني، قال عبد الرحيم سليماني أردستاني: "سواءً استشهدت السيدة الزهراء أم لا، فهذا لا يؤثر على مكانتها ولا على ديني. السيدة الزهراء قدوةٌ ودليلةٌ ومرشدة. سواءً استشهد نبي الإسلام أم لا، فهذا لا يؤثر عليّ ولا يُحدث فرقًا".
إن هذا الرأي القائل بأن "النوايا الحسنة تكفي، وأن مناقشة التكفير والطلائع غير مهمة إطلاقًا" هو تبريرٌ واهٍ للتهرب من المسؤولية الإيمانية الأساسية. إذا كانت النوايا الحسنة هي المعيار الوحيد، أي أن تكون على استعدادٍ لأن تكون صالحًا سرًا، ولكن في الواقع، تتجنب اتخاذ موقفٍ واضحٍ من الصواب والخطأ، فهذه سلبيةٌ خطيرة؛ لأن التكفير والطلائع ليسا مجرد شعاراتٍ أو أفعالٍ درامية، بل هما العمود الفقري لتحديد هوية المؤمن. إن حسن النوايا دون إعلان موقف عملي ووضوح في الصداقة والعداوة (على طريق الحق) يتحول عمليًا إلى لامبالاة نفعية، ويحول معتقدك في النهاية من أساس متين إلى شعور غامض ومحافظ لا يقاوم التيارات الفكرية والعملية الزائفة.
ومع أن مكانتهم النموذجية باقية، إلا أن تجاهل نضالهم التاريخي وظلمهم يتعارض مع روح التدين الفاعل القائم على الدفاع عن الحق. فالاستشهاد قمة الظلم وإدانة الظالم، وتبرئة القاتل جزء من نصرة المظلوم.
من الأدلة القاطعة على وجوب الزهد قوله تعالى: (وكمال الدين ولايتنا وبراءتنا من أعدائنا) (بحار الأنوار (بيروت)، ج 27، ص 58). يُظهر هذا الحديث جليًا أن التدين الشيعي طريق ذو اتجاهين: التولي وقطع الصلة بالباطل. فبدون البعد الثاني، لا يستقر الأول على ما يرام، وفي أوقات الفتن، يتلاشى الحد الفاصل بين الصديق والعدو.
من ناحية أخرى، دأبت سيرة الأئمة المعصومين (عليهم السلام) على التأكيد على وجوب إقامة أركان الدين جميعها، مع إضافة التولي والزهد. يصف الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) الشيعة الحقيقية قائلاً: "شيعتنا هم الذين يقيمون الصلاة... ويؤتون ولاية أهل البيت، ويستغفرون أعدائهم ويتوبون إليهم؛ شيعتنا هم الذين يقيمون الصلاة، ويؤتون الزكاة، ويحجون البيت الحرام، ويصومون شهر رمضان، وينصرون أهل البيت. يَبْرَوْنَ مِنْ أَعْدَائِهِمْ". هذه الرواية تضع الطبري في مصاف أركان الإسلام العملية كالصلاة والزكاة والصيام، وتعتبرها عنصرًا فاعلًا في تحديد هوية الشيعة. (خصائص الشيعة، ص ٤)
تتضاعف أهمية الامتناع عن الاختلاط في غيبة الإمام المهدي عجل الله فرجه الشريف، حين يتطلب الحفاظ على صلة أهل البيت جهدًا أكبر. يقول الإمام الكاظم (عليه السلام) في هذا الصدد: "طوبى لشيعتنا في غيبة قائمنا، الذين تمسكوا بحبلنا، وثبتوا على ولائهم لنا، وبغضهم لأعدائنا". ويدل هذا الثبات على أن الحفاظ على هذا البغض النشط اختبارٌ حاسمٌ في غيبة الإمام المهدي (عجّل الله فرجه الشريف)، ج 2، ص 361.
وإن سيرة آل البيت العملية دليلٌ آخر على هذا الادعاء. قال الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام): "إنا نأمر بني هاشم، كبارهم وصغارهم، بلعنهم وسبهم وبغضهم. ونحن بني هاشم نأمر كبارنا وصغارنا بلعنهم والبراءة منهم". (رجال الكشي - اختيار معرفة الرجال، ص ٢٠٧). وهذا يُظهر للكبار والصغار أن التكفير ليس تعليمًا خفيًا أو انتقائيًا، بل هو تقليد سائد في التربية الدينية يجب أن يُنقل من جيل إلى جيل.
إن الاستشهاد، وخاصة استشهاد السيدة الزهراء (عليها السلام)، التي تُمثل في الروايات صورة المستضعفين بعد نبي الإسلام (صلى الله عليه وسلم)، ليس مجرد حدث تاريخي، بل هو دليل على المواجهة بين الحق والباطل في كل زمان. إذا فصلنا الشهادة عن التدين، فقد انتقصنا في الواقع من البعد الجهادي والقتال في الإسلام، وحصرناه في بُعد فردي وشخصي بحت. لذا، فإن نقدًا خطيرًا للفكر الذي يعتبر أثر الشهادة على التدين الفردي صفرًا، يكمن في تجاهله للبعد الاجتماعي والموقف العقائدي القائم على البراءة. فالتدين الكامل، كما أكد الأئمة، يقتضي التمسك بحبل الولاية وقطع الصلة بكل ما أدى إلى الانحراف عن سبيل الحق عبر التاريخ.
التولة والبراءة معياران لتمييز الحق من الباطل في كل عصر. إن الدفاع عن أهل البيت المظلومين ببغض الظالمين هو من التقوى، وتجاهل هذا الظلم يُعدّ تأكيدًا غير مقصود على الظلم التاريخي. وينبغي للتقارير الإخبارية أن توضح للمتلقي هذه الصلة الوثيقة بين الالتزام العقدي والموقف العملي، حتى يتسنى الوصول إلى الفهم الصحيح لكمال الدين في ظل الولاية والبراءة.
ارسال تعليق