ومن وجهة نظر الإمام الخمینی فإن المنهج الصوفی أفضل من المنهج الفلسفی.
startNewsMessage1

بحسب وكالة أنباء عاشوراء، نقلاً عن وكالة مهر للأنباء، كتب حجة الإسلام حسين أشاغي، العضو السابق في قسم الفلسفة بمؤسسة أبحاث الثقافة والفكر الإسلامي، في رسالة بمناسبة ذكرى رحيل الإمام الخميني (رض):

بعد ذكر اسم الله وحديث الثقلين، استهل الإمام الخميني مضمون هذه الرسالة القيّمة والمعبرة كما يلي في بداية وصيته الإلهية:

"الحمد لله وجلال وجهك، اللهم صل على محمد وآل محمد، مظاهر جمالك وجلالك، وكنوز أسرار كتابك، الذي تجلت فيه الوحدة بجميع أسمائك، حتى من تأثر بها، ومن لا يعرفها إلا أنت، واللعن على ظالميهم، أصل الشجرة الخبيثة."

في هذه الجمل الزاخرة بالنقاط الصوفية والروحية، يُثني على الله أولاً بعبارة "الحمد لله"، ثم يُضيف مباشرةً بعبارة "سبحانك"، مُنزّهًا الله عن كل مدح؛ ويُقدّم الذات الأعظم على أنها أسمى وأسمى من كل وصف؛ وهنا يُطرح السؤال: لماذا تصرف الإمام الراحل بهذا التناقض؟ وعلى أي أساس يُبنى مدح الله وعبادته، مع اعتباره مُنزّهًا عن كل مدح وعبادة؟ وما هي فلسفة استخدام هذه التعبيرات التي تنطوي على إثبات ونفي؟

يجب البحث عن الإجابة في تفضيل المنهج الصوفي على المنهج الفلسفي عند الإمام الخميني.

وتفسير ذلك هو أن أحد الاختلافات الأساسية في علم الكلام، بين المنهجين الصوفي والفلسفي، يتعلق بصفات الله؛ أي هل للذات الأعظم أي صفات على مستوى ذاته أم لا؟ يعتقد معظم الفلاسفة أن الله يتصف بصفات الكمال كالحياة والقدرة والعلم في ذاته، لكن كبار المتصوفة كابن عربي والقنوي وأتباعهما يعتقدون أن نطاق أي وصف لا يتسع لنطاق ذات الله تعالى المطلقة، بحيث يمكن أن يشمل الوصف ذات الله تعالى المطلقة ويكون صادقًا معه تمامًا؛ وهذا يشبه إطلاق معنى محدود على معنى مطلق؛ على سبيل المثال، لنفترض أن "النجم هو المريخ"، أو "إيران هي خراسان". من الواضح أن إطلاق معنى محدود على مطلق غير محدود ومحدود بحدوده باطل وغير مقبول؛ لذلك يجب إنكار كل وصف من مستوى الله المطلق؛ ويجب التسليم بأنه لا يمكن لأي حقيقة تحت أي عنوان أن تكون مدحًا لذات الله تعالى المطلقة؛ ولهذا السبب تم رفض كل وصف لله المطلق في أقوال الأئمة. كقول أمير المؤمنين عليه السلام: "وكمال الإخلاص له نفي صفاته، لشهادة جميع الصفات بأنه لا يوصف، وشهادة جميع الصفات". "ما ليس صفة كلام الله سبحانه فقد ذهب ركنه، ومن كان له ركن فقد ذهب فضله". وبناءً على هذا القول، فإن كمال الله في التجرد عن الأشياء يعني نفي صفاته؛ لأن إثبات الصفة للذات الحقيقية يوجب اجتماع الموصوف بالموصوف، وتركيب ذاته من جزئي الموصوف والوصف؛ وكقول الإمام الرضا عليه السلام: "أصل معرفة الله توحيده، ونظام توحيد الله نفي الصفات عنه، حتى تشهد العقول أن كل صفة وموصوف مخلوق". وبناء على هذا القول، فإن نظام التوحيد هو نفي الصفات عن الله؛ لأن الصفة والموصوف محدودان بقدر انفصامهما عن بعضهما، وفي هذه الحالة يكون كلاهما مخلوقين بالحد لا بالخالق؛ وكما قال الإمام الصادق (عليه السلام) عندما سمع من يقول "الله أكبر" قال: من أي شيء الله أكبر؟ فأجاب الرجل بأنه أكبر من كل شيء؛ قال: إذًا فقد حددته" فقال أبو عبد الله: لقد حددته؛ لأن كل عظمة مركبة من مبدأ العظمة والقدر الذي يجعله أعظم؛ ومركب الجزأين حقيقة ممكنة ومخلوقة؛ ولذلك محدود؛ ثم قال: "قل: الله أكبر من أن يُحمد ويُوصف". لذلك، ووفقًا للاستدلال العقلي وأحاديث كبار رجال الدين، فإن أي وصف يُوضع في مستوى جوهر الله وينطبق عليه يكون باطلًا؛ وهذا الوصف ليس مدحًا لله فحسب، بل على العكس، يُسبب عيبًا في جوهرٍ لا عيب فيه.

هذا من جهة؛ ولكن من جهة أخرى، نرى بكثرة في القرآن وأحاديث المعصومين أن الله يُعرّف بالأسماء والصفات، كما ورد في نهاية سورة الحشر، حيث قال: ﴿الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ أَمْ يُشْرِكُ﴾، هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ أَسْمَاءُ الْحُسْنَى، لَهُ الْحَمْدُ، نَحْنُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾.

والسؤال هو: إذا لم يكن لله وصف حقيقي، فكيف تُفسر هذه التعبيرات القرآنية والرواية؟ والجواب أن هذه الألفاظ التي يدل كل منها على معنى خاص ووصف محدود، كلها تجليات لله تعالى، أي أنه يظهر في صورة معنى محدود، وفي مواجهة حقيقة معينة، ويقيم العلاقات الحقيقية بين الكائنات، دون أن يكون هو نفسه موصوفًا بوصف حقيقي، ومحدودًا إلى حد ما في هذا الظهور والتجلي.

سنشرح هذا القسم بمثال، وهو أن القمر يظهر في السماء ليلاً بأشكال مختلفة، فمثلاً في منتصف الأشهر القمرية، وعندما يرتفع للتو فوق الأفق، يظهر على وجه ومظهر دائرة قطرها مثلاً 40 سنتيمتراً؛ وأحياناً في نفس الليلة، ولكن بعد ارتفاعه في منتصف السماء، يظهر على وجه ومظهر دائرة قطرها مثلاً 20 سنتيمتراً؛ وفي الليالي القريبة من منتصف الأشهر القمرية، كليلة الثانية عشرة أو الثامنة عشرة، يظهر نفس القمر على وجه ومظهر دائرة غير مكتملة؛ ويكون عدم دائريته أحياناً في الشرق، وأحياناً في الغرب؛ ولكن من الواضح أن هذه الأشكال المختلفة للقمر ليست وصفاً حقيقياً للقمر؛ بل هي مظاهر بصرية لا تحدث في العالم الحقيقي؛ على سبيل المثال، المظهر الدائري في الليلة الرابعة عشرة ليس وصفًا حقيقيًا للقمر لأن سطح القمر به منخفضات ومرتفعات، لذا فهو لا يتميز حقًا بكرة مستديرة ولا بشكل دائري. ولكن بالنسبة لنا يبدو كدائرة؛ لذلك على الرغم من أن القمر ليس دائرة حقًا، إلا أنه يبدو لنا كدائرة؛ وأيضًا القمر الذي يظهر كدائرة يبلغ قطرها أحيانًا 40 سم وأحيانًا أخرى 20 سم لا يبلغ قطرها حقًا 40 سم أو 20 سم، ولكن قطر القمر هو في الحقيقة آلاف الكيلومترات؛ وأيضًا حالاته الأخرى مثل كونه هلاليًا وشبه دائري كلها خيالية وغير حقيقية؛ ومع ذلك، يمكن أن يكون لكل من هذه الحالات غير الحقيقية علاقة حقيقية بشيء آخر؛ على سبيل المثال، على الرغم من أن كون القمر دائريًا ليس وصفًا حقيقيًا، إلا أنه عندما يرتفع القمر إلى منتصف السماء، ينخفض ​​قطره ومساحة سطحه؛ أي أن هناك علاقة حقيقية بين كيانين غير حقيقيين (الدائرة الكبيرة والدائرة الصغيرة)، وأن لطلوع القمر الحقيقي (الكيان الحقيقي) تأثيرًا حقيقيًا على الانكماش الظاهري لقرص القمر؛ لذا لإثبات علاقة حقيقية بين شيئين، ليس من الضروري أن يكون لهما حالات حقيقية؛ بل من الممكن أن يكون أحد الجانبين حقيقيًا والآخر خياليًا، أو أن يكون كلا الجانبين خياليين.

وبالمثال السابق، يمكننا الآن الإجابة على السؤال السابق والقول إن الله كائن حقيقي؛ ولكن من الممكن أن يتجلى ويظهر في صورة معنى محدود وفي صورة حقيقة معينة وأن يقيم علاقات حقيقية بين المضاعفات، دون أن يكون هو نفسه موصوفًا حقًا بصفة ومحدودًا إلى حد ما في هذا الظهور؛ تمامًا كما أن القمر، بينما يظهر في صورة حالات مختلفة، لا يتميز حقًا بتلك الحالات، ولكن لديه علاقات حقيقية؛ لذلك على الرغم من أن جوهر الله ليس التجسيد الحقيقي لهذه الصفات المحدودة للأسباب المذكورة أعلاه، فإنه يتجلى في ظهور كل هذه الصفات؛ ولذلك يقول الإمام الخميني في بداية هذه الوصية أن الحمد لله وحده: «الحمد لله» لأنه مصدر كل كمال، ولكن في الوقت نفسه يجب أن يقال: «سبحانك» لأنك يا الله بريء من أن تكون التجسيد الحقيقي لهذه الصفات المحدودة.

 

ارسال تعليق