ومع وصول المرجع الجليل آية الله البروجردي إلى قم سنة 1323 هـ، تنحى آية الله السيد صدر الدين الصدر عن منصب رئيس وقائد الحوزة العلمية، بكرامة كبيرة وتقدم على الآخرين.
وذكرت وكالة أنباء عاشوراء نقلا عن وكالة مهر للأنباء، أنه في عام 1299 هـ شهدت مدينة الكاظمية المقدسة المجاورة للحرم السماوي للإمام الكاظمية (عليه السلام) طلوع نجم في سماء العلم والفقه. السيد محمد علي، الذي أصبح يعرف فيما بعد بلقب صدر الدين الشهير. وُلِد في عائلة عريقة وذات سمعة طيبة في مجال الفقه والمرجعية، وهي عائلة الصدر العريقة، في مدينة قم المقدسة. وكانت والدتهم الكريمة السيدة صفية ابنة العالم الحاخامي آية الله السيد هادي الصدر، الذي كان يعتبر من الشخصيات البارزة في المدرسة الدينية.
عائلة الصدر هي فرع من سلالة السادات، تنحدر من أحفاد السيد صالح الموسوي العاملي، برئاسة السيد صدر الدين الموسوي العاملي. هذه العائلة من نسل الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام)، وهي من العائلات الدينية المشهورة في إيران والعراق ولبنان والتي كانت بمثابة مرجعية لأتباع الشيعة في قرون مختلفة.
أمضى السيد صدر الدين طفولته وشبابه في مدينة سامراء؛ مدينة أصبحت في ذلك الوقت، بفضل وجود المرجع الكبير آية الله ميرزا حسن الشيرازي، محط أنظار العالم الشيعي. وفي هذه البيئة الغنية بالروحانية والمعرفة، زرع السيد صدر الدين بذور المعرفة في روحه منذ بداية شبابه. وفي حضور الأساتذة الأجلاء، انكب على تعلم العلوم الأساسية من رياضيات وآداب ومنطق، وأكمل أيضاً المراحل الابتدائية من الفقه والأصول في هذه الفترة.
جمع المؤن من حضور الشيوخ في المراقد المقدسة
وفي مسيرته نحو التقدم والرقي في تحصيل العلوم الإلهية، استفاد السيد صدر الدين أيضاً استفادة كبيرة من وجود أساتذة كبار وشخصيات لامعة من الحوزات العلمية في النجف الأشرف وكربلاء. آية الله العظمى ميرزا حسين النائيني صاحب كتاب تنبيه الأمة وتنزية الملاح، والشيخ حسن الكربلائي، وآغا ضياء الدين العراقي، من أساتذته البارزين خلال دراسته المتقدمة، الذين توغل السيد صدر الدين بحضورهم في أعماق مناقشات رسائل وتعاليم الشيخ الأنصاري المرحوم، وآغا ضياء الدين. كتابات عراقية. كما يذكر أيضاً أبيات الحاج الشيخ عبد الكريم الحائري اليزدي والسيد أبو الحسن الأصفهاني باعتبارهما من أساتذة مستواه.
وفي الفترة ما بين عامي 1314 إلى 1331 هـ حضر السيد صدر الدين حلقات كبار أساتذة العلم في الحوزات العلمية العريقة في النجف وكربلاء، وتشبع ببحر معارفهم اللامتناهي. وتدل دراسته تحت إشراف الآخوند الخراساني، والسيد محمد كاظم اليزدي، والآغا رضا الهمداني، والشيخ طه النجف، والسيد محمد بحر العلوم، على عمق دراساته وكفاءته في العلوم الدينية. وبعد هذه الفترة المثمرة عاد إلى مدينة كربلاء المقدسة لإكمال دراسته العلمية العليا، وبقي مع والده الجليل سنوات طويلة، حتى أصبح معروفاً بأنه من أبرز العلماء والخبراء في الأوساط العلمية في تلك البلاد. بالإضافة إلى اهتماماته الأكاديمية، كرّس نفسه أيضًا للتعليم وقام بالتدريس في إحدى المدارس الثانوية في كربلاء. وفي هذا الصدد ألف كتابين تربويين قيمين بعنوان "رسالة في الحق" و"مختصر تاريخ الإسلام".
الهجرة إلى مشهد الرضا (ع) والنشاط العلمي والاجتماعي
وفي عام 1331هـ، مرت حياة السيد صدر الدين بفترة صعبة، فبعد أن فقد زوجته وأولاده الأعزاء، غادر العراق متجهاً إلى إيران. وبناء على دعوة وترحيب حار من علماء مدينة مشهد المقدسة، استقر بالقرب من البلاط السماوي للإمام الثامن من أئمة الأرض المقدسة علي بن موسى الرضا (رضي الله عنه)، وبدأ بنشر العلوم الدينية وإمامة الصلاة الجماعية وإرشاد الناس وتعليمهم في مسجد كوهرشاد.
وبعد إقامتهم المباركة في مشهد قرابة خمس سنوات، عادوا في عام 1337 هـ إلى العراق إثر مرض والدهم الجليل. وبعد وفاته عادوا إلى مشهد لمدة خمس سنوات أخرى، وواصلوا نشاطهم العلمي والاجتماعي بكل جدية. وفي هذه الفترة تزوج من السيدة الفاضلة بيبي صفية ابنة المرجع الكبير آية الله الحاج آغا حسين القمي، وولد طفلهما الأول السيد رضا في هذه المدينة المقدسة.
كان آية الله الحاج آغا حسين القمي فقيهًا مقيمًا في النجف، وقد تولى السلطة بعد وفاة المرحوم آية الله السيد أبو الحسن الأصفهاني. احتج على تصرفات رضا شاه، فنفي من إيران إلى العراق. إن اعتقال هذا العالم البارز بأمر من حكومة رضا شاه مهد الطريق للتجمع والحادثة التي وقعت في مسجد جوهرشاد في يوليو/تموز 1935.
خلال فترة إقامة السيد صدر الدين في مشهد، بالإضافة إلى نشاطه العلمي، كان يكرس نفسه أيضًا لإنشاء المباني العامة وتقديم الخدمات الاجتماعية للشعب. خلال فترة المجاعة، وبفضل أفعاله الفعالة، أنقذ حياة العديد من المحتاجين. كما تم إدخال الإضاءة الكهربائية إلى مسجد جوهرشاد لأول مرة بفضل جهودهم، وخلال فترة إقامتهم الثالثة، بالإضافة إلى مكانتهم العلمية العالية، تمتعوا بشعبية لا مثيل لها بين الناس.
العودة إلى النجف ثم الهجرة إلى قم
وفي عام 1344 هـ قرر السيد صدر الدين مرة أخرى زيارة النجف الأشرف، وحضر لأكثر من عامين دروس الفقه والأصول على أستاذه الجليل آية الله ميرزا حسين نائيني، وجمع حصاد علمه. وفي سنة 1346 هـ، وبدعوة وطلب من المرجع الجليل مؤسس الحوزة العلمية في قم آية الله الحاج الشيخ عبد الكريم الحائري اليزدي، هاجروا إلى مدينة قم المقدسة، وفي هذا المركز العلمي الناشئ قاموا بالتدريس وإمامة الصلاة الجماعية وإرشاد الناس وإرشادهم. وبعد إقامتهم في قم قرابة عامين، عادوا إلى مشهد وواصلوا نشاطهم العلمي والاجتماعي. خلال فترة إقامته في قم، اشتهر بأعماله الخيرية العديدة، بما في ذلك حفر آبار المياه وبناء الخزانات لمعالجة مشاكل نقص المياه وتوفير الكهرباء لبعض الأحياء المحرومة في المدينة.
قيادة الحوزة العلمية في قم بعد آية الله الحائري
وفي عام 1314هـ عاد آية الله السيد صدر الدين الصدر إلى قم بشكل دائم وكان له دور مهم كمستشار ومساعد لآية الله الحاج الشيخ عبد الكريم الحائري في إدارة الحوزة العلمية في قم وتطويرها. بعد وفاة المرحوم آية الله الحائري عام 1315 هـ، تولى هو والآيات العظماء السيد محمد حجت والسيد محمد تقي الخنصاري المسؤولية المهمة في قيادة الحوزة العلمية في قم باعتبارهم "المرجعيات الثلاثة". خلال هذه الفترة الخطيرة، التي تزامنت مع الضغوط المتزايدة لنظام رضا شاه بهلوي والعواقب المؤسفة للحرب العالمية الثانية، قام هؤلاء العلماء الحاخاميون الثلاثة، بتعاطف مثالي وحكمة وصبر، بحماية الحوزة العلمية في قم من ويلات الأحداث ولم يبقوها طافية فحسب، بل سعوا أيضًا إلى تطويرها بأفضل ما في وسعهم. وفي هذه الفترة كان آية الله السيد صدر الدين الصدر يعتبر عملياً المحور الرئيسي لإدارة شؤون الحوزة العلمية، وذلك بفضل حكمته وروحه العامة. وكان له دور فعال في الحفاظ على مؤسسة رجال الدين وتوسيعها من خلال العديد من المبادرات التنموية والثقافية، بما في ذلك ترميم المدارس الدينية وإرسال العلماء والمبشرين إلى مختلف أنحاء البلاد.
لقد أدرك آية الله الصدر المكانة العلمية والإدارية لآية الله السيد حسين البروجردي، فأرسل إليه مجموعة من العلماء ومن بينهم الإمام الخميني لدعوة هذا العالم البارز إلى هذه المدينة المقدسة لحضور الحوزة العلمية في قم.
ومع وصول المرجع الكبير آية الله البروجردي إلى قم سنة 1323 هـ، تنازل آية الله السيد صدر الدين الصدر، بكل سخاء وتقدم على الآخرين، عن منصب رئيس وقائد الحوزة العلمية، وسلم إليه جميع المسؤوليات، بما في ذلك مكان التدريس وإقامة صلاة الجماعة. وبعد هذه الاستقالة، أمضى العقد الأخير من حياته النبيلة في التدريس والبحث والتأليف، وبقي حتى لحظة وفاته السند والملجأ للحوزة والطلاب وآية الله البروجردي. وجوابه على من لم يرض بهذا الانسحاب هو الآية الكريمة: {تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجَاعَهَا لِمَنْ لا يُرِيدُ أَنْ يَعْلُوَ فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادَ وَلا عَاقِبَةَ}. وكان "للمتقين" الذي أظهر زهده وعدم رغبته في سلطات الدنيا.
يقول حجة الإسلام المرحوم الدكتور صادقي، صهر آية الله الصدر الراحل، عن هذه المسألة: "خلال السنوات السبع أو الثماني الأخيرة من حياة السيد الصدر، تولى السيد بروجردي إدارة الحوزة، وعهد إليه بجميع مرافقها الإدارية. في تلك الظروف، لم يتدخل السيد الصدر سياسيًا في شؤون البلاد إطلاقًا. حتى أنه في السنوات الأخيرة من حياته، انسحب المرحوم السيد الصدر من إدارة الحوزة، وسلّم جميع شؤونها إلى السيد بروجردي".
توفي آية الله السيد صدر الدين الصدر في 5 كانون الثاني 1332هـ، الموافق 19 ربيع الثاني 1373هـ. وقد صلى على جثمانها الشريف آية الله البروجردي وتم دفنها إلى جانب قبر آية الله الشيخ عبد الكريم الحائري في حرم السيدة المعصومة (سلام الله عليها).
ارسال تعليق