إن كتابة رسالة إلى ترامب وإعلان استعداد الجولاني (اقرأ: التوسل) للانضمام إلى اتفاقيات إبراهيم يعكس سوء فهم الحكام السوريين الجدد وتمسكهم بالوعود الأوروبية الأميركية.
وبحسب وكالة أنباء عاشوراء نقلا عن وكالة مهر للأنباء، فإن حياة دول غرب آسيا وشمال أفريقيا مع الوجود الاستعماري للكيان الصهيوني علمت زعماء المنطقة هذا الدرس العظيم: كلما تلقى الصهاينة إشارة ضعف من أحد الأطراف، فلن يترددوا للحظة في توجيه ضربة لوجوده السياسي، وإذا أمكن، احتلال جزء من أراضيه. وقد أدى هذا المنطق "المبني على القوة" إلى نشوء نزاعات إقليمية خطيرة للغاية بين دول مثل مصر والأردن وسوريا ولبنان وحتى اليمن مع النظام المحتل في القدس على مدى العقود الثمانية الماضية. بعد سقوط بشار الأسد، بدأت مجموعات المعارضة الإرهابية المتمركزة في شمال وجنوب سوريا باحتلال أجزاء كبيرة من سوريا. لقد فعلوا ذلك في دمشق على وجه الخصوص.
وفي ساعات الصباح الأولى، أعلن بنيامين نتنياهو رسميا، من خلال بث مقطع فيديو من مرتفعات الجولان، أن النظام انسحب من اتفاقية عام 1974 وسوف يتخذ كل الإجراءات اللازمة لصد التهديدات الخارجية ضد إسرائيل. وبعد نشر هذه الرسالة، احتلت القوات الإسرائيلية مرتفعات جبل الشيخ، وأرسلت دباباتها إلى محافظة القنيطرة.
في الوقت نفسه، يتواجد الصهاينة بشكل نشط في محافظة السويداء، ويسعون إلى إثارة المشاعر الانفصالية بين الدروز. دمرت المقاتلات الإسرائيلية أكثر من 90 بالمئة من القدرات الدفاعية السورية في القوات البحرية والجوية والمدرعة والدفاعية بأكثر من 500 ضربة مستهدفة. والآن، وبعد أشهر من تواجد المحتلين الصهاينة في سوريا واستمرار هجماتهم المتقطعة على المنشآت الدفاعية في البلد الذي مزقته الحرب، أعلن محمد الجولاني، في لقاء مع ممثلي الكونغرس، استعداده لتطبيع العلاقات مع إسرائيل والانضمام إلى اتفاقيات إبراهيم. وبناء على ذلك، سنحاول في بقية هذه المذكرة الإجابة على السؤال حول ما إذا كانت "سوريا ما بعد الأسد" ستركب قطار اتفاقيات إبراهيم أم لا.
لقاء مع ممثلي الكونغرس؛ من عقوبات قيصر إلى العهد الإبراهيمي
وأعلن عضو الكونغرس الجمهوري كوري ميلز، الخميس 24 نيسان/أبريل، بعد لقائه "الجولاني"، أن سوريا تسعى إلى تطبيع العلاقات مع النظام الإسرائيلي. وكان عضو الكونغرس مارلين ستانزمان حاضرا أيضا خلال الاجتماع. ويبدو أن جدول أعمال اللقاء بينه وبين الحاكم السوري الجديد كان رفع العقوبات ودراسة انضمام سوريا إلى اتفاقيات إبراهيم.
بعد سقوط الأسد، قامت حكومة نتنياهو، في انتهاك لاتفاقية 1974 بحجة مواجهة التهديدات المحتملة في سوريا، باحتلال جزء كبير من أراضي هذا البلد العربي وتدمير كل القدرات العسكرية للحكومة السورية الجديدة تقريباً! ويأمل ممثلو الكونجرس الأميركي الآن أن يتمكنوا من تمهيد الطريق لتحسين علاقات دمشق مع الغرب بدعم من جماعات الضغط اليهودية العربية.
إن تطبيع العلاقات بين تل أبيب ودمشق، بمثابة زلزال سياسي، من شأنه أن يغير النظام الأمني في منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط. وفي السابق، أدى وجود سوريا ولبنان وقطاع غزة إلى وضع النظام الصهيوني في حالة "حلقة نار". والآن، ومع سقوط النظام السوري السابق وتركيز حزب الله على الشؤون الداخلية اللبنانية، فقد يكون من الممكن أن يتغير النظام الأمني والسياسي في المنطقة إلى الأبد.
ويرى بعض الخبراء أنه في حال نجاح عملية انضمام سوريا إلى اتفاقية إبراهيم، فمن المحتمل أن تكون بيروت، في ظل حكم عون سلام، مرشحة أخرى للانضمام إلى الاتفاقية. إذا حدث هذا السيناريو، فإن جماعات وعناصر المقاومة ستواجه وضعا معقدا للغاية وقد تدخل في أزمة غير مرغوب فيها وطويلة الأمد مع قوى سياسية أخرى غير منحازة. ومن خلال استغلال وجود القوى اليمينية في البيت الأبيض، يعتزم نتنياهو متابعة قضية تغيير النظام الجيوسياسي في الشرق الأوسط والتوسع الإقليمي للنظام الصهيوني. في العصر الجديد علينا أن ننتظر لنرى ما إذا كان السلام مع الحكام العرب أكثر أهمية بالنسبة لنتنياهو أم تحقيق حلم "إسرائيل الكبرى"!
ويرى بعض المراقبين الخارجيين أن إعلان الجولاني عن استعداده لتطبيع العلاقات مع تل أبيب يشكل "خطأ استراتيجيا" لن تقبله إسرائيل أبدا. وقد أثبتت التجربة التاريخية أن الصهاينة مهتمون بتحقيق حلم الحكم "من النيل إلى الفرات" أكثر من اهتمامهم بالسعي إلى السلام مع الدول الإسلامية.
فوائد الكلام
إن كتابة رسالة إلى ترامب وإعلان استعداد الجولاني (اقرأ: التوسل) للانضمام إلى اتفاقيات إبراهيم على أمل أن يغادر الصهاينة أرض البلاد، هو مؤشر أكثر على سوء فهم الحكام الجدد في سوريا وتمسكهم بالوعود الأوروبية الأميركية منه على الواقع. ليس لدى سوريا أي فرصة للتغلب على الوضع الحالي ما لم تقدم لإسرائيل كل مواردها العسكرية والإنسانية والاقتصادية. وبعبارة أخرى، إذا قامت سوريا بتطبيع العلاقات مع النظام الصهيوني، فإنها سوف تصبح رسمياً مستعمرة صهيونية، وسوف يكون الجولاني، بصفته "حاكماً"، مجرد منفذ لأوامر نتنياهو. والآن علينا أن ننتظر لنرى ما إذا كان زعماء الحكومة السورية الجديدة يحلمون بالسلام مع إسرائيل، أم أنهم سيتراجعون عن قرارهم.
ارسال تعليق