عید الأضحى درس عظیم فی التوحید والتضحیة، فما هو مکانة التضحیة فی الأدیان؟

إن التضحية طقس قديم ومتجذر في تاريخ البشرية، وقد وجدت في معظم الأديان والحضارات، بأشكال ونوايا مختلفة.

startNewsMessage1

بحسب ما نقلته صحيفة عاشوراء نيوز عن مراسل مهر، يصادف اليوم العاشر من ذي الحجة، عيد الأضحى المبارك. تُعدّ الأضحية طقسًا عريقًا وراسخ الجذور في تاريخ البشرية، وقد وُجدت في معظم الأديان والحضارات بأشكال ومقاصد مختلفة. وقد مثّلت رمزًا للتقرّب والامتنان والتكفير عن الذنوب والتعبير عن العبودية لله. وفي الديانات السماوية، وخاصة الإسلام، تكتسب مكانة الأضحية أهمية خاصة، وتتضمن فلسفة عميقة.

تُعدّ الأضحية من أهم العبادات في اليهودية. وتُفصّل الكتب الدينية اليهودية عادات وتقاليد الأضحية. كان اليهود يُقدّمون أضاحي دموية، مثل ذبح الحيوانات للتكفير عن الذنوب أو كشكر، وأضاحي غير دموية، مثل التبرع بالحبوب والخبز. وكان الغرض من الأضحية هو التوبة والاعتراف والتقديس وطلب رضا الله. وكانت تُقام مراسم الأضحية على مذابح خاصة أو معابد صغيرة. في المسيحية، اتخذت طقوس التضحية طابعًا روحانيًا ورمزيًا. ويُعتبر يسوع المسيح (عليه السلام) تجسيدًا ورمزًا للتضحية الشخصية في هذا الدين. ووفقًا للمسيحيين، فإن صعود عيسى (عليه السلام) نوع من التضحية لتحرير البشرية من خطاياها، وهذا الفعل يُطهّر الإنسان منها. لذلك، في المسيحية، يُقلّ التركيز على التضحية بالحيوانات، ويُصبح التركيز أكبر على التضحية بالنفس والتضحية بالنفس في سبيل الله. في العصر الذي سبق ظهور الزرادشتية، كان هناك أيضًا ذبح للأضاحي. ومع ذلك، في الزرادشتية، تحوّل التركيز على التضحية نحو التضحية المعنوية ونقاء الروح. ومع ذلك، في بعض المناطق وفي القرون الأخيرة، لا يزال يُضحى بالأغنام في مهرجانات مثل مهرجان "مهريغان".

 

اختبار إلهي

تُعدّ قصة تضحية النبي إبراهيم (عليه السلام) بالنبي إسماعيل، والتي تُشكّل أساس عيد الأضحى، من أجمل القصص القرآنية والتاريخية وأكثرها عبرةً، إذ تُظهر قمة الخضوع والخضوع للأمر الإلهي.

طالما شوق النبي إبراهيم (عليه السلام) إلى الولد، وفي شيخوخته رزقه الله بإسماعيل (عليه السلام). كان إسماعيل (عليه السلام) عزيزًا على قلب إبراهيم (عليه السلام). في الليلة الثامنة من ذي الحجة (يوم التراويح)، رأى إبراهيم (عليه السلام) في منامه ملكًا يقول له: يا إبراهيم! "إن ربك يأمرك أن تذبح ابنك الحبيب في سبيلي". فاستيقظ إبراهيم (عليه السلام) متسائلًا: هل هذا حلم من الشيطان أم وحي من السماء؟ ولذلك سُمّي هذا اليوم بيوم التروية.

في الليلة التاسعة من ذي الحجة (المعروفة بيوم عرفة)، رأى إبراهيم (عليه السلام) نفس الرؤيا مرة أخرى وتيقن أن هذا أمر إلهي. سُمي هذا اليوم يوم عرفة (يوم المعرفة). وفي الليلة العاشرة من ذي الحجة (ليلة عيد الأضحى)، رأى إبراهيم (عليه السلام) نفس الرؤيا للمرة الثالثة واتخذ قراره النهائي.

بروح مليئة بالثقة والتسليم، ذهب إبراهيم (عليه السلام) إلى ابنه إسماعيل (عليه السلام) وشاركه الأمر الإلهي. جاء في القرآن الكريم: "فلما بلغ مكان المطاردة قال يا بني إني في منام أني أعذبك فانظر ما قلت يا أبت افعل ما تؤمر تجد إن شاء الله من الصابرين". (الصافات: 102). ولما بلغ (إسماعيل) سن العمل والجهد، قال (إبراهيم): "يا بني إني رأيت في منام أني أذبحك؛ ماذا تعتقد؟ قال: يا أبي! افعل ما تؤمر، ستجدني إن شاء الله من الصابرين." أظهر هذا الرد من إسماعيل (عليه السلام) ذروة إيمانه وصبره وخضوعه للأمر الإلهي. ومثل والده، كان مستعدًا للتضحية بنفسه في سبيل الله.

توجه النبي إبراهيم (عليه السلام) والنبي إسماعيل (عليهما السلام) نحو المذبح (مكان منى في أرض مكة). وفي هذا الطريق، ظهر الشيطان عدة مرات بأشكال مختلفة لإبراهيم (عليه السلام) وإسماعيل (عليهما السلام) وهاجر، أم إسماعيل، وحاول منعهم من تنفيذ الأمر الإلهي بإغوائهم.

أخبر الشيطان إبراهيم (عليه السلام) أن هذه الرؤيا من الشيطان، وكيف يمكن لأب أن يضحي بابنه؟ لكن إبراهيم (عليه السلام) طرد الشيطان بإيمان تام. قال الشيطان لإسماعيل (عليه السلام) إن والدك ينوي قتلك، فهل تقبل ذلك؟ أجاب إسماعيل (عليه السلام) بحزم أن هذا أمر الله وأنا أستسلم له. ذهب الشيطان إلى هاجر وأخبرها أن إبراهيم ينوي التضحية. إسماعيل. أجابت هاجر: إن كان هذا أمر الله، فأنا راضٍ. في هذا الطريق، رمى إبراهيم (عليه السلام) وإسماعيل (عليهما السلام) الشيطان بالحجارة من ثلاث جهات، فطرداه. هذا الفعل رمزٌ لمعركة إغراءات الشيطان، ولعزيمة الإرادة في سبيل الله، وهو ما يقوم به الحجاج اليوم خلال مناسك الحج.

أخذ النبي إبراهيم (عليه السلام) إسماعيل (عليه السلام) إلى المذبح. طلب ​​إسماعيل (عليه السلام) من والده أن يربط يديه وقدميه بإحكام حتى لا يتحرك لحظة الذبح ويكون في حالة خضوع تام، وأن يشحذ السكين أيضًا ليسرع في إنجاز العمل ويخفف عنه الألم. كما طلب من والده أن يعيد قميصه إلى أمه هاجر لتهدئتها. وضع إبراهيم (عليه السلام) السكين على حلق إسماعيل (عليه السلام) وبدأ يذبح باسم الله. لكن السكين لم تقطع بأمر الله. كانت هذه معجزة عظيمة وآية إلهية. وهكذا، أيد الله... صدق نية إبراهيم وإسماعيل (عليهما السلام) واستسلامهما التام للاختبار الإلهي.

في هذه اللحظة، نزل جبريل عليه السلام ومعه كبشٌ ضخمٌ سمينٌ من الجنة، ونادى إبراهيم عليه السلام: ﴿قَدْ أَدَيْتَ حُلْمَكَ كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ﴾ (الصافات: ١٠٥). ثم استبدل جبريل عليه السلام الكبش بإسماعيل عليه السلام، فذبحه إبراهيم عليه السلام بأمرٍ إلهي. كان هذا الكبش فداءً من الله لإسماعيل عليه السلام، ومنذ ذلك الحين، ترسخت عادة التضحية يوم عيد الأضحى في منى وللحجاج، تخليدًا لهذه التضحية العظيمة.

 

مكانة الذبح والذبح في الإسلام

 

في الإسلام، تُشير الأضحية إلى ذبح حيوانٍ حلالٍ وفقًا لشروطٍ شرعيةٍ مُحددةٍ بقصد التقرب إلى الله وابتغاء مرضاته. لهذه الممارسة فلسفةٌ عميقةٌ ومتعددة الأوجه.

 

التضحية رمزٌ للخضوع التام لإرادة الله وأمره. يقول الله تعالى في القرآن الكريم: ﴿لَنْ يَنْالَ اللَّهُ لُحْمَهُمُ وَلا دِمَاءَهُمْ وَلَكِنْ يَنْالَ اللَّهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ وَلَا نَفْخُرُوا بِاللَّهِ بِمَا هَدَيْنَاكُمْ وَالْمُصْلِحِينَ﴾ (الحج: ٣٧). ﴿لَنْ يَنْالَ اللَّهُ لُحْمَهُمُ وَلا دِمَاءَهُمْ وَلَكِنْ يَنْالَهُ التَّقْوَىٰ كَذَلِكَ أَخْضَعَهُمُ لَكُمْ لِيَشْكُرَ اللَّهُ عَلَى هَدَايَتِكُمْ وَالْمُصْلِحِينَ﴾ (الحج: ٣٧). وبشروا [بفضل الله ورحمته]." تنص هذه الآية بوضوح على أن الغرض من الأضحية ليس الحصول على لحم الحيوان ودمه، بل الغرض الرئيسي هو تقوى المضحي وإخلاصه.

بالتضحية، يُقدم الشخص جزءًا من ماله في سبيل الله ويساعد الآخرين، وخاصة المحتاجين. هذا العمل يعزز روح الإيثار والتعاطف في المجتمع. بالإضافة إلى ذلك، تُذكر الأضحية في الإسلام بتضحية النبي إبراهيم (عليه السلام) العظيمة في سبيل الله، وتُعتبر إحياءً لسنّة هذا النبي العظيم. كما أن ذبح الحيوان بطريقة دينية لا يجعل اللحم حلالًا للأكل فحسب، بل يُعتبر أيضًا، من منظور روحي، نوعًا من التطهير والتطهير لروح المضحي. في بعض الحالات، تُقدم الأضحية بقصد التكفير عن الذنوب أو درء الكوارث والأمراض، مما يدل على الأبعاد الروحية لهذا العمل.

لكي يكون ذبح الحيوان مشروعًا في في الإسلام، لا بد من توافر شروط معينة، أهمها:

أن يكون الذابح مسلمًا (في حالة الأضحية، وليس فقط الحيوان).

أن يذكر اسم الله (بسم الله) أثناء الذبح.

أن يستخدم أداة حادة وقاطعة (سكين).

أن تُقطع الشرايين الأربعة الرئيسية لرقبة الحيوان قطعًا تامًا وبطريقة محددة.

أن يكون الحيوان متجهًا إلى القبلة أثناء الذبح.

أن يُصفى دمه جيدًا.

إن قصة عيد الأضحى وذبح إسماعيل ليست مجرد حدث تاريخي، بل هي أيضًا درسٌ عظيم في التوحيد والاستسلام والصبر والتضحية. تُبين هذه القصة أن الإنسان في سبيل الله يجب أن يكون مستعدًا للتضحية بأغلى ما يملك، وأن التقوى والإخلاص لا يُقبلان إلا في سبيل الله. عيد الأضحى تذكيرٌ سنوي بهذا الامتحان الإلهي العظيم، وتجديدٌ للعهد مع الله على العبودية والطاعة الخالصة.

 

ارسال تعليق